بلياردو !
قبل عدد من السنوات كنت أهتوي لعبة البلياردو الإلكترونية وقد قمت بالتدرب عليها تقنياً وكنت احترفها إلى حد ما، في يوم من الأيام رأيت طاولة البلياردو بالواقع أمامي فأحببت تجربتها.. الحقيقة أنى لم أتمكن من تثبيت العصا ولا قياس الأبعاد كما كنت تقنياً سريعة باللعب وتحديد الأبعاد والزوايا واحترافية، كنت اعتقد أني حينما أجربها بالواقع لن أكون احترافية من المرة الأولى ولكن على الأقل سأكون متقنة لها، لكن عندما حدث ذلك لم أعرف كيف أمسك بالعصا بشكل صحيح ولا حتى أقيس الأبعاد.
هذا بالضبط ما أراه على الناشئة؛ هناك من يتقن التواصل والحديث والتعبير عن بعد لكن واقعياً تجده يرد بكلمات مقتطعة ولا يتقن التعبير، نفس الموضوع نتحدث فيه في مجموعة في تطبيق يطول الحديث وكل يمكنه التعبير لكن ما إن ينتقل على الواقع مع نفس الأشخاص تجد الردود تقتضب وتقل ويبدأ كل منهم بالرد بأسلوب ضعيف.. التواصل المباشر أصبح أصعب بمراحل من التواصل عبر التطبيقات وهذا بحد ذاته خلل يحتاج لحلول وتنمية..
كذلك المهارات اليدوية.. كما حدث معي بالضبط فمثلاً الخط بالكتابة تغيّر لأني اعتمد على التقنية بشكل كبير ففقدت شيئاً من سرعتي بالكتابة بالقلم لكن استعدتها مع العودة للورق مرة أخرى، أما بالنسبة لشخص لا يكتب إلا بمادة في مدرسة وفي حياته الطبيعية لا يكتب إلا تقنياً فأنه قد يحتاج لتنمية وتدريب، وقيسوا على ذلك سائر المهارات..
لذلك الحل هو إدراك أهمية المهارة التقنية كما هي أهمية الواقعية فلا تتقدم إحداهما على الأخرى، سواء كانت مهارات يدوية أو مهارات تفكير أو مهارات تواصل، وعلى ذلك لابد من التدريب في أرض الواقع عبر التكاليف والتواصل وخروج الرحلات البرية والبحرية والتدريب على المهام وآلية التصرف ليس بالتلقين والتعليم والتوجيه النظري فحسب وإنما بالتطبيق وتوكيل المهمة والمتابعة أثناء إنجازها ولا تستغرب أن يكون أبنائك لا يعرفون تطبق المهارة بل تقبل عدم معرفتهم لها أو إتقانها بصدر رحب لأن ذلك نتاج عدم تدريبنا لهم، وأيضاً يكون الحل بإعطائهم الفرصة كذلك بالتحاقهم بالنشاطات الرياضية سواء سباحة أو دراجات أو مشي .. إلخ، فالإتقان تقنياً ونظرياً ليس كالواقع والتطبيق العملي لذا لابد من التطبيق الواقعي وعدم الاكتفاء بالمهارة التقنية، لأن التقنية قد تفقد وتتوقف بأي لحظة وحينها لابد من التصرف الواقعي في تلك اللحظة مثل تحديد اتجاه معين دون بوصلة الجوال أو معرفة وقت الغروب أو الاتجاهات أو إشعال الحطب أو الطهي أو الدفاع عن النفس أو إصلاح المركبة … الخ
كذلك مهما كانت التقنية تقرّب الأشخاص لبعضهم فليست تحتوي على كمية وكفاءة المشاعر والاكتفاء والإشباع الاجتماعي كما لو كان اللقاء والتواصل بالواقع، لابد بشكل يومي نقوم بتفعيل التعامل والتواصل الواقعي لأنفسنا لأبنائنا لأصدقائنا لسائر علاقتنا وكذلك التدريب على تطبيق المهارات في أرض الواقع.
التعليقات مغلقة.