كل شيء فات!

ذات مرة رأيت مقطعاً عن بر الأم وقد كتبت إحداهن تعليقاً عليه “كل شيء فات، لم يعد هناك مجالاً أن أفعل لها شيئاً”، فهمت من تعليقها أن أمها متوفاة.

وكذلك أسمع جملة: أغلق باب من الجنة! هذه عبارة تردد إذا توفي أب أو أم أحد الأشخاص، بل العجيب أني سمعتها من بعض الدعاة في وسائل الإعلام المرئية وهو يحث على بر الوالدين وأن من فقد أمه أغلق بابها!

إليك عزيزتي صاحبة عبارة ” كل شيء فات” إليك يا من ندمت بعد وفاتهما أو أحدهما:

رحمة الله وكرمه وجوده وفضله أوسع، فلا شيء يفوت عليك ما دمت حياً، ولا باباً يغلق، بل قد يفتح الله على الأبناء بر والديهما بعد وفاتهما أكثر، فقد يكون مفرطاً ثم ينتبه ويجتهد بعد وفاة أحد والديه فالواقع يقول: ربما لا ينتبه الشخص ويعطي الأهمية لشيء إلا بعد الفقد حيث يبدأ ذهنه بإدراك التفريط السابق ويبدأ بأعمال البر لهما واستداراك ما فاته، وقد يعظم الأجر فهو يبر بهما بعد وفاتهما حيث انقطعت حيلتهما وعملهما إلا من ثلاث أحدها هذا الابن.

فأقول لمن توفي أحد والديه أو كلاهما اغتنم وفاتهما كما يغتنم الآخرون حياتهما وذلك بالتقرب إلى الله ببرهما والإحسان إليهما فلا يزال لديك خيارات كثيرة لبرهما أولها الدعاء لحديث (وولدٌ صالح يدعو له)، وصلة أقربائهما وأصدقائهما ومن يعز عليهما لحديث (إن أبرّ البِرّ صِلةُ الرجل أهلَ ودِّ أبيه)، وأعمال البر من حفر آبار وكفالة أيتام وكفالة أسر محتاجة وبناء مساجد وتوزيع مياه للشرب ووضع برادات وأداء الحج والعمرة عنهما والصدقة وطباعة الكتب النافعة والمصاحف وانشاء التطبيقات النافعة وغيرها من أفكار الصدقات الجارية التي تنفعهما وتنفعك أنت ببرهما.

وهنا أذكر رجلاً والده -متوفى- صديق والدي -حفظه الله-، سنوياً يأتي هذا الرجل للرياض مرة واحدة من مدينة أخرى خصيصاً ليزور والدي ويهدي لوالدي هدية من مزرعتهم الخاصة والآن للانشغال لم يعد يزور ولكنه يتصل للاطمئنان على حال والدي، وسنوياً يطرق الباب أحد عمالته موصلاً لوالدي هداياه، مما يجعلنا تلقائياً ندعو للأب المتوفى وللابن الواصل ونذكرهما بالخير، ولاحظي عزيزتي هنا أمراً: أن من يذكر هذه القصة الآن هو أنا وليس والدي فحسب، بمعنى أن نتائج برّه بأبيه تعدت أصدقاء والده ووصلت إلى أبنائهم فصرنا نحن من يدعو لوالده أيضاً.

جاء رجل من بني سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوَيَّ شيء أبرهما به بعد موتهما قال: (نعم الصلاة عليهما -أي الدعاء لهما- والاستغفار لهما -أي: الدعاء بالمغفرة-، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما).

لذلك كما أن من أكرمه الله بوجود والديه وإتاحة فرصة بره لهما لابد أن يستثمر هذه الفرصة، كذلك من انتقل والديه للحياة الأخرى لديه نفس الفرصة للبر لهما، وهما بعد وفاتهما ربما يكونان أحوج من حياتهما لبرّك لأنهما أثناء الحياة يعملان من الصالحات ويجمعان من الخيرات أما الآن فقد توقف وانقطع العمل إلا من ثلاث أحدها: أنت.

التعليقات مغلقة.